الغاية و الوسيلة
حكيم شاب مهندس يعمل بشركة كبيرة لمقاولات البناء، يتسم باستقامة
الخلق والنشاط والهمة في العمل، شكله جذاب و وسيم لكنّه لم يكترث أبدا
بإعجاب الفتيات له، فهمّه الوحيد هو إتقانه لعمله و إتمامه على أحسن
وجه، إلى أن جاء ذلك اليوم الذي تعطّرت فيه الشركة بدخول بسمة إليها،
و هي فتاة فاتنة وردة متفتحة تقطر رقة ونعومة، فأول ما رآها أسرته
بسحر جمالها و لطف كلامها و ما زاد تعلقه بها نظرات الإعجاب البادية
في عينيها وأصبح ينتظر التروي برؤيتها بفارغ الصبر، و لحسن حظه أنها
أصبحت كثيرة التردد على الشركة فكلاهما قد نمى بقلبه نفس المشاعر
والأحاسيس الدافئة، وأحس حكيم أن الحياة قد ابتسمت له بدخول بسمة إلى
حياته.
لكن رغم تواضع الآنسة بسمة إلا أنها من عائلة رفيعة المستوى، وهذا ما
كان يؤرق حكيم، فكيف يستطيع التقدم لخطبتها وهو مجرد موظف بشركة
والدها، و إمكانياته المالية لا تسمح بتأمين حياة لائقة لمقامها الراقي، لذلك
قرر أن يحسّن من وضعه، لكنه اختار لبلوغ غايته وسيلة غير شرعية،
حيث أصبح يغش في مواصفات مواد البناء لكي يوفر من ثمنها ويختلسه
لنفسه، وبالفعل جمع مبلغا لا بأس به، يستطيع أن يؤمن به حياة راقية، وفي
هذا الوقت علاقته بالآنسة بسمة تزيد وثاقا، حتى أصبح لا يستطيع أحدهما
الاستغناء عن الآخر.
قرر أخيرا حكيم الذهاب لطلب يد بسمة، ونظرا لطيبة والدها وحبه الكبير
له كان واثقا مسبقا من الموافقة على طلبه، لذلك وجدت السعادة طريقها إلى
قلبه دون أي عوائق فغمرته الفرحة لتزيده حيوية و رشاقة وكله لهفة
وشوق للوصول إلى منزل بسمة، لكن عند وصوله وجد مفاجأة غير متوقعة
بانتظاره، فالشرطة كانت قد سبقته و ألقت القبض على والدها بسبب إنهيار
إحدى عماراته فأول ما دخل رأى بسمة في حالة يرثى لها، أخبرته بشجن و
الدموع تنهمر من عينيها ما حدث لوالدها.. حينها أحسّ حكيم قلبه يتمزق
ندما على ما فعله وإلى أين أوصله فما كان منه إلا أن ربّت على كتفها
برفق وقال لها بحزن عميق: أتمنّى أن تسامحيني.. سيعود إليك والدك في
الحال، و أسرع خارجا، قاصدا الشرطة و اعترف بذنبه لتبرئة ربّ عمله،
وكان ألمه لفقدان بسمة حياته وندمه على ما اقترفت يداه، أكبر من وحشة
السجن وفظاعته. أما بسمة فرغم صدمتها فيه لكن بقيت شجاعته بالاعتراف
بالذنب و صدق مشاعره اتجاهها وذكرياتها الجميلة معه صور لا تفارق
خيالها و لا تستطيع أن تنساها أبدا لحكيم.
كانت دموعها لا تفارق عينيها طيلة هذه الأيام، من فرط الشوق ولوعة
الفراق والقلق الشديد على حالة حكيم بالسجن، فقلبها الطيب ومشاعرها
الرقيقة لا يسمحان لها بأن تحكم على حبها بالموت، لذا قررت أن تزوره،
فأخدت سيارتها وهي شاردة الذهن كل المشاعر تختلج بصدرها، قادتها
بسرعة جنونية وكأنها تسابق الزمن، إلى أن وصلت إلى السجن و أنفاسها
تكاد تنقطع وعلى الفور طلبت رؤية حكيم، ذهب أحدهم لإحضاره وعند فتحه
لباب السجن ذهل لما رآه فصرخ ينادي بأعلى صوته طالبا للإسعاف،كان
حكيم ممدودا على الأرض دون حراك، إقترب منه وجس نبض يده فوجده لا
يزال على قيد الحياة، أسرعوا به إلى المستشفى وكانت بسمة معهم في
حالة كئيبة من شدة القلق، انتظرت هناك حتى استقرت حالته وأخرجوه من
غرفة الإنعاش إلى غرفة أخرى بقيت جالسة بجانبه إلى أن استرجع وعيه
وفتح عينيه بصعوبة وأول ما رآها ارتسمت على شفتيه المبيضتان ابتسامة
لم يعرفها منذ مدة وقال لها: أين أنا و..
قاطعته بسمة: لا تتكلم أنت لا تزال متعبا لقد نجوت من الموت بأعجوبة، إن
قلة طعامك و حالة الإحباط التي كنت تعيشها هي سبب وجودك هنا.
وأضافت: أكنت تريد أن تموت وتتركني؟
فأجابها : ظننت أني فقدتك للأبد.
قالت على الفور: لن أتخلى عنك أبدا.
رد عليها : إن كان كذلك أمهليني وقتا أصحح فيه كل أخطائي لأكون جديرا
بك، فقد قال لي المحامي سيحكم علي بغرامة مالية فقط لأن العمارة لم تسكن
بعد ولا توجد ضحايا بشرية .
مضت أيام وشهور أعاد فيها حكيم بناء ذاته وتأسيس مستقبله بالكد والعمل
المتواصل، صحيح أن التعب كان كبيرا لكن نتيجته خيرا كثيرا مكلل بعرق
الجبين.
أصبح حكيم مثالا للكفاءة والنجاح في العمل، واشتهر في ميدان الهندسة
بفضل أعماله المتميزة، عندها ذهب لطلب يد بسمة، و وافق عليه والدها
على الفور لأنه علم بإنجازاته ونجاح كل أعماله، وهكذا أخيرا حقق حكيم
غايته بوسيلة شريفة .
كلمة طيبـة
كــيـــنــج مــصــــر
الثلاثاء أبريل 01, 2008 5:41 pm